هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

قهوة الصباح

حكيم الشرق الأوسط

 

في زمنٍ تشتعل فيه الصراعات وتضطرب فيه خرائط النفوذ، برز الرئيس عبد الفتاح السيسي كأحد أكثر قادة العالم حكمةً واتزاناً في التعاطي مع أزمات الشرق الأوسط. لم يكن يوماً من دعاة المغامرة أو الساعين إلى تحقيق مكاسب عابرة عبر بوابة الحروب، بل آمن بأن السلام هو أقصر الطرق إلى الأمن، وأن الاستقرار لا يتحقق إلا بالحكمة وضبط النفس.
***
منذ توليه مسؤولية قيادة الدولة المصرية، حمل السيسي على عاتقه مهمة استعادة الدور المصري التاريخي كقلبٍ نابض للعالم العربي، وكركيزة توازنٍ في إقليمٍ تمزقه الصراعات. كانت أمامه طرق كثيرة، بعضها أسهل وأكثر شعبية، لكن الرجل اختار الطريق الأصعب والأكثر وعياً، فآثر البناء على الهدم، والإصلاح على الانقسام، والحوار على المواجهة.
***
حين اشتعلت الأوضاع في ليبيا، وبدأت بعض القوى الإقليمية تراهن على تفكيكها، كانت كل المبررات متاحة أمام القاهرة لتتحرك عسكرياً دفاعاً عن أمنها القومي. العالم كله كان سيتفهم مثل هذا التحرك، وربما يؤيده. وعندما تفجرت الأزمة في السودان، كان بوسع مصر أن تتدخل بالقوة تحت راية حماية حدودها الجنوبية. لكن الرئيس السيسي، برؤية رجل الدولة الذي يدرك أبعاد الأمور ونتائجها، اختار أن يمد يده لا أن يشهر سلاحه، وأن يكون جسر عبورٍ نحو السلام لا طرفاً في صراع جديد.
***
لم يكن ذلك القرار سهلاً، فالتاريخ يعلمنا أن الحروب كثيراً ما تغري أصحاب الجيوش القوية، غير أن السيسي كان يدرك أن الزعامة الحقيقية ليست في إشعال المعارك، بل في تجنبها. فالقائد الذي يملك القدرة على استخدام القوة ويختار ألا يفعل، إنما يمارس أسمى صور القوة والسيطرة. وهكذا أصبحت مصر في السنوات الأخيرة صمام أمانٍ للمنطقة، تفتح أبوابها للفرقاء، وتستضيف المفاوضات، وتبذل الجهد لترميم الدول الممزقة، محاولةً أن تعيدها إلى مسار الدولة والمؤسسات.
***
تلك السياسة المصرية المتزنة أثارت إعجاباً دولياً متزايداً. لم يعد الأوروبيون ولا الأمريكيون يتحدثون عن السيسي بلغة الحذر أو التحفظ، بل بلغة التقدير والاحترام. لقد رأيت بعيني وسمعت بأذني شهاداتٍ لقادة ومسؤولين غربيين يعبرون عن انبهارهم برؤية الرئيس المصري، ويصفونه بأنه من القلائل الذين يفكرون في أمن المنطقة برؤية شمولية، لا بمنطق المصلحة الآنية. إنهم يدركون اليوم أن السيسي حين يتحدث عن “الأمن القومي المصري”، فهو يقصد منظومةً كاملة تمتد من ليبيا غرباً إلى السودان جنوباً، ومن غزة شرقاً إلى البحر المتوسط شمالاً، لأن أمن مصر لا ينفصل عن استقرار جوارها.
***
الرئيس السيسي لم يسعَ إلى بناء محاور ولا إلى الدخول في معسكرات سياسية مغلقة. تعامل مع الجميع بعقلٍ منفتح وبلغة المصالح المشتركة. فمدّ يده إلى أشقائه في الخليج، وعمل على ترميم العلاقات العربية – العربية، وفتح قنوات التواصل مع إفريقيا، وأقام جسور التفاهم مع أوروبا، دون أن يفرط في ثوابت مصر أو استقلال قرارها. كان مؤمناً بأن السياسة ليست لعبة “صفرية”، وأن كسب السلام أهم من كسب المعركة.
***
ولذلك، كانت القاهرة دوماً حاضرة في لحظات الأزمات الكبرى، سواء في الأزمة الليبية أو الصراع السوداني أو القضية الفلسطينية. تتحرك مصر بدوافع مسؤولية تاريخية لا بطموحات توسعية، وتعمل بصمت وثبات على إعادة التوازن إلى منطقة فقدت بوصلتها. إنها مصر التي تُحسن استخدام قوتها الناعمة بقدر ما تمتلك من قوة صلبة، وتدرك أن نفوذها الحقيقي ينبع من قدرتها على بناء الثقة، لا من فرض الهيمنة.
***
لقد بات واضحاً أن رؤية الرئيس السيسي تنطلق من منهجٍ استراتيجي طويل المدى، لا من ردود أفعال آنية. فهو يدرك أن استقرار مصر الداخلي مرهون باستقرار محيطها، وأن التنمية لا تزدهر في بيئة مضطربة. لذلك، اختار أن يكون صانعاً للأمن لا مستهلكاً له، وأن يزرع الأمل في محيطٍ أنهكته الصراعات. إنها فلسفة رجلٍ يعرف أن السلاح لا يصنع المستقبل، بل العقول والاقتصادات والسياسات الرشيدة.
***
واليوم، وبعد سنوات من الصبر والتخطيط، بدأ العالم يرى بوضوح نتائج هذه السياسة الحكيمة. فمصر استعادت مكانتها، وبدأ صوتها يُسمع في العواصم الكبرى باحترامٍ واهتمام. لم تعد القاهرة مجرد متلقٍ لسياسات الآخرين، بل صانعةً لتوازنٍ إقليميٍ جديد، يضع الاستقرار والتنمية فوق المغامرة والمكاسب الزائلة.
***
وهكذا، استحق الرئيس عبد الفتاح السيسي عن جدارة لقب “حكيم الشرق الأوسط”، لأنه اختار طريق الحكمة حين كان العالم يسير نحو الهاوية، وآمن بأن السلام ليس ضعفاً بل قوة، وبأن الدولة التي تمتلك الإرادة والوعي تستطيع أن تحمي نفسها دون أن تعتدي على أحد. إنها مدرسة جديدة في القيادة العربية، قوامها الفهم العميق للواقع والإيمان بأن أعظم انتصار يمكن أن يحققه القائد هو أن يمنع الحرب لا أن يخوضها.
***
لقد كان السيسي، ولا يزال، يجسد معنى الزعامة الرشيدة، تلك التي تُبنى على البصيرة لا على الشعارات، وعلى رؤية المستقبل لا على ردّ الفعل. في زمنٍ غابت فيه الحكمة عن كثير من الساحات، بقيت القاهرة تتحدث بصوت العقل. ولهذا، حين يذكر التاريخ هذه المرحلة المضطربة من عمر المنطقة، سيكتب أن هناك قائداً مصرياً حمل مشعل الحكمة وسط عواصف الجنون، واختار أن يبني لا أن يهدم، وأن يوحّد لا أن يفرّق، فاستحق بحق أن يُلقب بـ حكيم الشرق الأوسط.